إن حركة داعش لم تزدهر فقط في حدود اللاهوت، بل طال الأمر طريقة تدريس العلوم في مدارسنا اليوم، حيث يقدمها المدرسون كتعلم أعمى لصيغ ومعادلات وثوقية كأنها تسقط من السماء، لا كتفكير علمي حي وقلق، حملته وأنتجته التساؤلات الفلسفية للمشكلات والمفاهيم العلمية التي أثارها العلماء والفلاسفة معا.
لقد سبق لفيتغنشتاين أن تحدث عن الأسس الفلسفية التي يدور حولها فكر مرحلة معينة قبل أن يتم إخراجه منها، ولننظر من جديد إلى اينشتاين: فلمساءلة فكرة التأني، كان لابد له من إعادة اكتشاف اللغز النيوتوني للفعل المباشر عن بعد وتحرير الفيزياء من مفهومي المكان والزمان المطلقين، إلا أن هذه المفاهيم كان يدعمها تصور آلي للعلية، وهي مفهوم فلسفي مافي ذلك شك، وكان قد تصوره ميرسين مقدما مقتفيا أثر ديكارت، ثم تبناه النيوتونيون.
ويمكن في هذا السياق أيضا، أن نذكر النقاش اللامتناهي حول مفهوم الغائية في التاريخ الطبيعي ثم في البيولوجيا من أرسطو إلى مونو، مرورا بيبوفون وكانط، بنفس الصفة كالإرتباكات التي تمس مفهوم " الشكل الحي". فكيف لانرى بأن هذه المفاهيم هي فلسفة أيضا ؟
وهكذا بالنسبة مثلا لترييض الحركة في القرن السابع عشر، الذي تم من خلال تدمير التصور الكيفي للحركة و تفكيك أساسي للموضوعاتية الأرسطية للعلية. إذن فإن تقدم العلوم لايتم كما لا يزال يعتقد في غالب الأحيان مدرس المواد العلمية، بتراكم بسيط لنتائج دقيقة أكثر فأكثر وحسب، وهو اعتقاد الذي أرغمت عليه العلوم أن تظل محبوسة فيه، لكن الأصح أنه تقدم يحمله تفكير فلسفي لكي يكسر تلك الإعتقادات التي تتربص به في كل لحظة، من خلال المخاطرة باستمرار بيقينياته الخاصة وباللعب على حدوده، وهذا ما ينبغي أن ينتبه إليه المدرسون ولن يتسنى لهم ذلك إلا بانفتاحهم على فلسفة العلوم. إن العلوم المتصور على هذا النحو، يمكنه ان يسهم على الأقل في ممارسة متجددة لحرية التفكير، هذه الحرية التي لا تتصور فيها الفائدة إلا بحدود المردودية، لاسيما أنها تعد ضرورية للتجديد الإقتصادي كما للممارسة الديمقراطية.
سمير بدوي ( مستشار في مكتب الجمعية)
ليست هناك تعليقات :