فكرة للنقاش: تَسْيِير لقاءاتنا الفكرية
تقديم:
من الاشياء المهمة التي تُنْجِح أي لقاء فكري هي الكيفية التي تُجرى بها عملية التسيير. ذلك بعد إكمال المُقَدِّم خلاصة أفكاره. فما هي الأشكال النظرية التي يُجرى بها التسيير؟
فصل-1-
الهدف الذي يكون صوبَ عين المقدِّم لأي نشاط فكري هو نَقْل المعنى الذي يحمله في صدره إلى من حَضَر. تَتَعدد الوسائل التي يَتَخذها من أجل ذلك. و يتأمَّلُ بعد انتهائه مناقشةُ الحاضرين لأهم الأفكار المُقدَّمة.
و من جهة أخرى، يكون لأغلب الحاضرين أملُ المشاركة بالإضافة إلى الموضوع المطروح، أو بالملاحظة على بعض النقاط المشكلة، أو التساؤل باستشكال بعض المعضلات التي تعذر عليهم فهمها.
إذن تكون مهمة المسير هي التوفيق بين أمل المقدِّم و المقدَّم له. و للناس عرف يجرون عليه من اجل تحقيق ذلك. و هو : إما أن تُؤخذ لائحة من الأسماء. ثم يُقدَّم لكل منهم وقتٌ ليطرح ملاحظاته و أسئلته. بعد إتمامهم جميعاً تدخلاتهم. يبدأ المقدِّم بالإجابة على أهم الاشكالات المرتبطة بموضوعه. و لنصطلح على هذه الطريقة إسم طريقة اللائحة. و إما أن يُقدَّم كل فرد ملاحظاته و أسئلته ثم يجيب عنها المقدِّم إبَّان إنتهائه. و لنصطلح على هذه الطريقة اسم طريقة الآنية.
نظرة في طريقة اللائحة -2-
أ- مميزات طريقة اللائحة:
-يتمكن عدد كبير من الحضور من المشاركة في النقاش.
-الابتعاد من الحوارات الثنائية البعيدة عن جوهر الموضوع.
ب-بعض جهات القصور في طريقة اللائحة:
-لا يتمكن مقدِّم السؤال من الرَّد و التفاعل مع سؤاله إن لم يُفْهَم جيداً.
-لا يُناقش الموضوع جيداً و يبقى عاماً. لأن طريقة السؤال و الجواب بهذه الطريقة لا تجعل الافكار يحتك بعضها ببعض.
-لا يتعلم المقدِّم فنون المناظرة المبني على الرّد على الاشكالات و الصبر على سماع الخصم.
نظرة في طريقة الآنية -3-
-أ- مميزات طريقة الآنية:
-بإمكان كل مشارك أن يصحح للمقدِّم قصور فهمه لسؤاله. و التفاعل الجيد معه.
-الجواب و السؤال بهذه الطريقة تساعد الطلبة على التدرب على فنون المناظرة التي أساسها السماع للخصم و الاحتكام إلى الصواب متى ظهر.
-تعميق النقاش في النقط التي يدلوا بها المشارك، الشيء الذي يفسح المجال للمقدِّم لتوضيح فكرته. ثم يفسح المجال للمشارك للتعقيب. إلى أن يتضح المراد و تظهر الفكرة بجلاء.
-ب- بعض جهات القصور في طريقة الآنية:
-يتحول النقاش عن مساره الجيد بتحوله إلى حوارات ثنائية حول نقاط خارجة عن مساق الموضوع.
- عدد المشاركين في هذه الطريقة أقل من طريقة اللائحة.
فصل -2-
من بين هاتين الطريقتين أختار الطريقة الثانية. و ذلك باستحضار بعض الأمور. منها أن الهدف من النشاط الفكري هو إحكام أمرين : الإبلاغ الجيد لأفكارنا للغير (سواء من طرف المقدِّم أو من طرف المشارك المعترض). ثم إتقان فنون السماع الجيد لأفكار الغير.
فإن استحضرنا هذين الأمرين. و كانت الاستفادة من الحاضرين حاضرةً سواءٌ في مشاركتهم بأفكارهم أو تعلمهم كيف يسمعوا أفكار الغير. لم يكن عدد المشاركين له قيمة كبيرة. و بهذا لا تَفْضُل الطريقة الأولى على الثانية، بكونها أنها تفسح المجال للعدد الكبير في المشاركة.
إضافة إلى ذلك ليست الحوارات الثنائية سيئة دائماً. بل في بعض الأحيان تُمكن من الولوج إلى موضوعات مُتصلة بالموضوع، لم يكن ليتنبه لها السائل و المسؤول. كما أنه في بعض الأحيان تناقش فيها أسئلة عديدة توجد في أذهان الحاضرين. و يَتعلم المقدِّم و المشارك بها فنون المناظرة. يمكن أن لا تظهر فوائدها في أول التجارب إذ يُنظر إليها دائما بالمنظار السلبي.
و من بين المخاوف التي عند الكثيرين من هذه الحوارات الثنائية هي أنها إن بدأت فإنها لن تنتهي إلى إتفاق. و الأمر عندي على خلاف ذلك. بل لماًّ كانت لقاءاتنا كثيرة. و الأشخاص الذين يحضرون لهذه اللقاءات معدودون. فإنَّ طول الحوارات الثنائية في أول القاء لن يكون بنفس الطول في اللقاء الثاني. و هو انَّ السائل سيتمكن من معرفة وجهة نظر المقدِّم إلى بعض الأمور من الحوار الذي سبق أن حضره. ثم يمكنه أيضاً أن يُلزم الآخر بلوازم تباعاً لما سبق له أن عرفه عنه. فيتم إما إلزام الخصم أو إفحامه. و كلًّما كثرت اللقاءات قلت الحوارات الثنائية.
و إن كان المسير نبيهاً. يمكن أن يفصل بين الحوارات الثنائية البعيدة عن جوهر الموضوع و بين الأخرى الجيدة التي تبعث على توضيح الأفكار بجلاء. بل يمكن أن تُجرى حوارات ثنائية ليس فقط بين المقدِّم و المشارك، بل بين بعض الحضور، بأن يردَّ بعضهم على البعض. ثم يتحول إلى حوار ثنائي. يصمتُ الأخرون لمعرفة أيهما يملك فكرة قوية. بعدها يُرجع المسير الكلمة إلى آخرين و هكذا ينجح اللقاء بإبراز الأفكار و تعليم الحاضرين فنون النقاش و المناظرة. و الله أعلم
يوسف المداني
(رئيس الجمعية)
ليست هناك تعليقات :